مكَامِن الضُعفْ '!







في ظلال قوله تعالى : " يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا "  - سورة النساء - الآية ٢٨ 

ان الضعف هو نداء من الداخل صوب الداخل للكف عن البقاء على السطح دوماً 
ان اقرار الانسان بضعفه امر صحي لسببين اثنين :
  • منح الانسان نفسه ثقة اكبر بنفسه في داخله وفي الخارج يكون تعبيراً للترابط والتكافل والتكامل بين الناس 
  • ان ضعف الانسان هو الذي يجعله اجتماعياً وعناصر الشقاء المشتركة بيننا هي التي تدفع قلوبنا الى الانسانية فما كنا لنحس اننا مدينون للانسانية بشيء لو لم نكن بشراً ، لذلك فإن اعتقاد الانسان بضعفه هو شكل من اشكال برمجة المجتمع وقولبته للفرد ، وتحرره منه

" ان الاعتراف بالضعف ، شئنا ام ابينا هو شكل من اشكال الاعتراف والاقرار بإنسانية الإنسان

ان اكثر ما يدهشني ان كلاً منا غير مندهش من ضعفه ، ومانفعله من سلوكيات كثيرة من اخفاء وتورية هذا الجزء من تكويننا هو باب المصائب والمشكلات
ولكن في الوقت ذاته لا يعيب الانسان فعل ذلك " اي تورية ضعفه " ولكن مايعيبه هو معاملة ذلك الضعف سواءاً بالنكران او التجاهل وهنا يصبح الضعف امتحاناً بل ومحنة اوقع الانسان نفسه فيها ، وتستعصي المشكلة اكثر واكثر ويُكمل الانسان في استهلاك واستنزاف نفسه ، ويدمن التبرير على اخطائه وتقصيره وانكار اي تُهم تُوجه اليه ، ومع ذلك فهو دائماً يرى صورة نفسه اكبر واجمل مما هي عليه 

لِما جُعل الضعف مركباً انسانياً طبيعياً ! دل ذلك فيما نرى ان الضعف خُلق ليكون الانسان اميناً على قواه ، وليكون الضعف كاشف قوى وقدرات الانسان الخفية او المجهولة لمحل النقص بالضعف ، لذلك فضعف الانسان خطوة في تمييز قوته عن ماهو وهم ، او ما هو ليس بقوة ، والعجيب انه يدل الانسان بان هنالك قوة تصعد من بئر الضعف - لو أدرك

والعجيب في الانسان انه يأنس لضعفه فيما بينه وبين نفسه خاصة ، اي انه عندما يتكشّف له ضعفه ينطوي على نفسه ويتقّرب منها ، ليس انطواءاً شاذاً او مرضياً ولكنه ذوبان في كيانه الداخلي واستغراق في عمق اللحظة التي ازاحت حُجُب وهم القوة ، تلك الحجب الغليظة التي تتماشى مع اقنعة الانسان واستعاراته الزائفة

الضعف هو احد الدروب التي تعيد الانسان الى نفسه ، درب ضعف الانسان وبراءته ونقائه فهو يدلك على ما انت عليه ، وكذلك درب الانسان الى المُطلق في رحلة البحث عن حالة السلام والجنة الغائبة ، تلك التي يجدها الانسان عندما يأوي إليه

الضعف بذرة القوة ولذلك كثيراً مايكون الانتقال من حالة الضعف الى حالة القوة مقترناً بالتصميم الإرادي الحازم على التمسك ببعض القيم الروحية ، ومن هنا فان ( القوة ) عبارة عن عملية - بناء الحياة الشخصية - بحيث يكون في استطاعة الذات ان تأخذ على عاتقها مسؤولية وجودها ، وهذا يعني ان كل ضعف يحتوي على إمكانية هائلة للقوة متى اصبح دافعاً لإرادة التحول

ك توكيد على المعنى السامي للضعف في السياق الروحي اختم بهذه المناجاة حول ضعفي في مقام العزة : 


إلهي يافالق القدرة من ضعفي وباعث القوة من وهني وراحماً لي بهشاشتي وكاشفاً لي بضعفي لحظات اغتراري وبعثرتي لذة قيامي ، اجعل لي يا الله من الرفق رفيقاً ودليلاً على حقيقتي وجبراناً بالمحبة لكسرتي حتى آوي الى كهفي وتعيدني إلّي فأجد طريقي إليك ... إلهي انسني بضعفي وافتح لي به سفراً في اعماقي واجعل لي منه أميناً على قواي وباباً مُشرعاً في الإفتقار إليك ، وإفتقاري يكون شهوداً لعجزي بين يديك - يا إلهي أرني من ضعفي نفساً سوية وامنحني به - قفزة روحية - . 

تعليقات

المشاركات الشائعة