التأثير السيبراني على سلوك البشر

سيكولوجيا السيبرانية تعني " دراسة تأثير التطور التكنولوجي على السلوك البشري
كلمة " سايبر " تشير الى اي شيء رقمي او اي شي له علاقة بالتكنولوجيا ابتداء من " البلوتوث " الى السيارات التي تسير بلا سائق هذا يعني اشكال التفاعل مع التكنولوجيا ووسائل الاعلام الرقمية والموبايل وشبكة الاتصالات وغيرها من الشبكات والالعاب الالكترونية والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي ووسائل تنمية الذكاء

نحن نعيش الان مرحلة فريدة حقاً من تاريخ البشرية يتدفق فيها سيل هائل من المعلومات ونشهد خلالها الكثير من التحولات التي تشوش افكارنا وربما لن يشهد الناس مثيلاً لها , تحولات كأنها الزلزال في نمط العيش والتفكير بسبب الانتشار السريع للتقنيات الجديدة وهيمنتها على حياتنا اليومية , كل تلك الاشياء غيرت علاقاتنا مع الآخرين واساليب عملنا وطرق تسوقنا وتجمعاتنا وكل شي تقريباً , حيث حصلت تحولات جذرية في الوعي والمعرفة والتكنولوجيا ورافقتها تغيرات اجتماعية كبرى .

لا ينبغي ان يُفهم كلامي انني اركز هنا على انتقاد التكنولوجيا تحرص المبادئ العلمية دائماً على ضرورة التوازن اذا كنت اركز اكثر على الجوانب السلبية للتكنولوجيا ف ذلك لكي اعيد التوازن الى هذه المسألة بدلاً من ترك المرء ينجرف وراء طوباوية مثالية او نزعة تجارية

التكنولوجيا ليست مسألة جيدة او رديئة في ذاتها انها شيء محايد بكل بساطة , هذا يعني ان البشر يمكنهم استخدامها بطرق جيدة او سيئة - هذا مفهوم اساسي - . 

ان الانترنت عالم مختلف عما يسمى بالعالم الواقعي لكني لا اقصد الايحاء بأن مايحصل هناك غير واقعي بقدر تعلق الامر بالسلوك البشري , مايحصل في العالم الافتراضي يشبه الى حد ما عمل فيروسات الانفلونزا او الايبولا التي تصيب البشر لدى محاكاة سلوك معين من الحياة الواقعية في فضاء سيبراني حيث يشارك في ذلك عدد من الاشخاص , يمكن للسلوك ان ينتشر على نطاق واسع ويصبح معياراُ في حياتنا , تتطور مضامينها باستمرار وتزداد عمقاً وتؤثر فينا جميعاً بصرف النظر عن المكان الذي نعيش فيه او كيف نمضي اوقاتنا

منذ ان عرف الانسان التكنولوجيا وهي تؤثر في سلوكه لكن ليس هناك تأثير اعظم في الوقت الحاضر بقدر معلوماتنا من اختراع الانترنت ليس من الضروري ان تكون خبيراً بطبيعة السلوك البشري في العالم الافتراضي كي تلاحظ ان شيئاً مستمداً من االفضاء السيبراني يدفع الناس للمغامرة

" كلما زادت خطورة التصرفات التي يفعلها المرء في الاعتداد بالنفس , ترسخ  ذلك السلوك في اعماقه , وعلى هذا النحو يحصل التكيف

في الفضاء السيبراني فنعرف ان الناس ربما يفعلون ويقولون اشياء لن يفعلوها في العالم الواقعي اعتماداً على تأثيرات الاحساس بأنهم مجهولون وعدم الاحراج او تلاشي القيود الاجتماعية على الانترنت 
هذه الحالة لها نتائج سلبية وايجابية , الشي الجيد في التواصل المتحرر من القيود اننا نعقد صداقات مع اشخاص ماكنا لنعرفهم في ظروف اخرى ونكتسب رؤى وخبرات عن انماط اخرى من الحياة , هذا يعني توسع العلاقات الاجتماعية وزيادة فرص التعلم ونشوء المزيد من التعاطف والتفاهم بالنسبة للافراد المنعزلين اجتماعياً بسبب المسافة او مسائل شخصية

ماهو الاندفاع ؟ يعرف هذا المفهوم بأنه " نزعة شخصية تنطوي على حاجة شديدة للتصرف التلقائي من غير تفكير بالنتائج " تؤثر  هذه النزعة في عدة عمليات وسلوكيات سيكولوجية منها ضبط النفس , المجازفة , اتخاذ القرارات , وقد وجد الباحثون ان هذه النزعة تشكل عنصراً مهماً ضمن العديد من الاضطرابات النفسية منها تشتت الانتباه وقلة التركيز والنشاط المفرط والاضطراب البيني للشخصية " بين السوي وغير السوي " وصولاً الى مرحلة الهوس في اضطراب تناقص الشخصية

اذا بدأنا ببساطة بالنظرية الشهيرة لعالم النفس ابراهام ماسلو عن " هرم الحاجات " أي الامور التي تتطلب منا الاهتمام بتلبيتها وتدفع البشر للبقاء والتكيف مع البيئة والتطور , سوف نرى ان جميع تلك الحاجات تتحقق على الانترنت بطريقة او بأخرى ابتداءاً من الاحتياجات الفسيولوجية الى الاحتياج للأمان والحب والانتماء والتقدير وإثبات الذات
- بقاء المرء مجهولاً على الانترنت يمنح الاحساس بالامان والانضمام الى جماعة على الانترنت او المشاركة في لعبة تضم عدة لاعبين يمنح الاحساس بالانتماء , اذا حصلت صور الانستقرام او رسائل الفيس بوك على " لايكات " او عبارات الاعجاب فهذا يلبي حاجة المرء للاعتداد بالنفس

يعتمد التفسير السيكولوجي للتسوق القسري على الاتجاه او المدرسة الفكرية التي تتبناها من الناحية التقليدية , يعتقد البعض ان هذا السلوك يتأثر بالحاجة للشعور بأنك شخصية مميزة او أقل انعزالاُ اذا كان الإنسان يعاني من عقدة انتقاص الذات فهو يسعى قسرياً لإثبات قدراته عن طريق المشتريات , يبحث عن هويته واستقراره النفسي او عن وضع اجتماعي يشعر انه يصل اليه اذا اقتنى أشياء جديدة , يعاني الكثير من الناس من اضطرابات مترابطة مثل التلهف , الاكتئاب , وضعف التحكم بالدوافع

تظهر لنا دراسات سريرية - ومراقبات يمكننا القيام بها للناس في حياتنا او حتى لأنفسنا , ان الأشخاص المندفعين يعانون من صعوبة التحكم بأنفسهم وربما يفقدون السيطرة على النفس بسهولة اكبر ضمن نشاط معين او في لحظة معينة , انهم لا يميلون الى التأني بل يبحثون عن اي فرصة للمجازفة ولديهم صعوبة في التوقف عن اي نشاط ربما يمنحهم المكافآت مع ان ذلك قد يكون مصدر إحباط للذات او ينطوي على الممشاكل والمخاطر

يكون مركز التحكم في شخصيتك خارجياً - احياناً يوصف بأنه ضعيف - اذا كنت تعتقد ان قراراتك وحياتك تتحكم بها عوامل البيئة التي تعيش فيها ولا يمكنك التأثير لأن كل شيء تمليه الفرص او الحظ او شخص آخر يدير المشهد .

- ماهي العلاقة بين مركز التحكم بالشخصية و التعامل مع التكنولوجيا ؟ 
تخيل مراهقاً يعاني من مشكلة الاستخدام القسري للانترنت ويشعر بالعجز عن التوقف او تغير سلوكه , تخيل كيف يكون من السهل لهذا السلوك الذي نعرف انه يتصاعد على الانترنت ان يتحول الى شيء يصعب تصوره او يكون مدمراً , سواء كنت تسمي هذا - سلوك ادمان على الانترنت - او اضطراب العاب الانترنت - الكثير من الدراسات التي اجريت ضمن مختلف الحقول المعرفية من علم النفس الى علم الاعصاب تظهر ان المراهقين الذين يستخدمون الانترنت قسرياُ يواجهون خطورة متزايدة بإزاء بعض النتائج السلبية اجتماعياً وسلوكياً وصحياً , ومنها ضعف الاداء الدراسي , حياة يومية غير منظمة , علاقات شخصية صعبة

- سواء كنت تعتقد انك قادر او تعتقد انك عاجز فأنت على حق

لن يختفي الانترنت من حياتنا - إننا ننتقل إلى مرحلة ليس لنا فيها اي اختيار سوى استعمال الانترنت , اذا اردت الدراسة , الحصول على وظيفة , إجراء بحوث , الحصول على معلومات , الوصول الى اشياء تفيد الصحة , او تدفع فواتيرك فأنت تلجأ الى الانترنت , التكنولوجيا صارت مسألة طبيعية مثل الهواء الذي تتنفسه , وهي ضروية للبقاء في القرن الحادي والعشرين كأنها الماء الذي ينشط اجسامنا , اصبح ذلك جزءاً لا يتجزأ من بيئتنا ولذلك يمكن ان يكون التحدي الذي يواجهنا تحدياُ يتعلق بالتطور بدلاً من الكلام عن الادمان يمكننا مناقشة التكيف

- افضل طريقة يتبعها الفرد ليتكيف بفاعلية على بيئة جديدة هي الاطلاع على ماينبغي معرفته , يتعرف على البيئة الجديدة يدرسها جيداً ويدرك المخاطر المحتملة و المآزق التي يمكن ان يقع فيها , ربما يكون الانترنت من اكثر الوسائل خداعاً وإغراء للبشرية , غرائزنا التطورية ومحاولات البحث عن الأشياء تجعل من الصعب مقاومته ولاداعي لأن نذكر الصنارات التي تواجهنا , الاشارات , التحذيرات , الاغراءات , متعة الفشل , واشياء تجعل القلب يكاد يتوقف , لكي نتكيف مع الانترنت بذكاء نحتاج لأن نعرف انفسنا جيداً وان نتعلم الأشياء التي تؤثر فينا سيبرانياً على سلوكنا

- اذا كانت التكنولوجيا من الاشياء التي نحتاج اليها , وهي جوهرية وضرورية لبقائنا وديمومة تطورنا - عندئذ فنحن نحتاج لأن نتعلم كيف نتعايش معها , وفقاً لمعاييرنا الخاصة , حين ندرك بعض المؤشرات التي تخفف حالات السعار في البحث السيبراني والتي تحفز افراز الدوباين وتغذي السلوك الاندفاعي , القسري , او تقود للادمان - سواء كان ذلك تسوقاً على الانترنت , او العاباً الكترونية , بالإمكان القول ان التكنولوجيا متوافقة مع مستخدميها او باستطاعتنا تعلم التكيف مع شيء مع المرونة ومناعة وتنظيماً وتركيزاً أكثر , مع احساس اقل بالاندفاع القسري
نحن مانزال في بداية تحول عجيب يصعب علينا تصوره في نمط حياتنا , دعونا نعطي انفسنا قليلاً من الراحة , اذا كانت لديك مشكلة مع التكنولوجيا فأنت ربما لست مدمناً بل فقط - متكيف سلبياُ مع السيبرانية - الشيء الجيد ان هناك اشياء يمكنك ان تفعلها بصدد ذلك


- يستخدم مفهوم الذات في السيكولوجيا الاجتماعية البشرية لوصف كيف ينظر الناس الى انفسهم ويقيمونها او يتصورونها , التعريف الدقيق - هو فكرة المرء عن نفسه ومن ضمن ذلك خصائص الشخص ونظرته الى معنى وماهية الذات
- ماهي الاشياء التي يتعلمها المراهقون عن انفسهم من خلال النظر الى صورهم السيلفي ؟ هل يمكن لهذا ان يؤثر في التصور عن الذات ؟ 
ينظر الشخص الى نفسه من خلال عيون الاخرين وبذلك يكتسب هويته بعبارة اخرى كما يقول , فإن مفهوم الذات البشرية يعتمد على تغذية اجتماعية
- تكون الذات السيبرانية دائماً في طور تشكيل سيكولوجياً ورقمياً حتى حين تنام ذاتك الحقيقية فان ذاتك السسيبرانية موجودة - انها تعمل دائماً - تتطور . تتحدث . تصادق . تعمل علاقات . تكسب متابعين . تحصل على لايكات . وتتعرض للملاحقة . هذا يمكن ان يخلق شعوراُ بالقلق والالحاح . انشوطة تغذية مستمرة . احساس بالاحتياج لاستثمار المزيد من الوقت من اجل ابقاء الذات الافتراضية ضمن التيار . جعلها فاعلة ومعروفة على نطاق واسع , ربما يفسر هذا الاهتمام الشديد وسط المراهقين بالاعتناء بذواتهم حين تصبح عملية تشكيل الهوية في الحياة الواقعية مربكة ومن الصعب السيطرة عليها
على كل حال مالشيء المهم اكثر , ذاتك الحقيقة ام ذاتك التي خلقها الواقع الافتراضي ؟؟ 
ربما كان الشي الاكثر اهمية الذات التي يراها الناس بوضوح اكبر من غيرها

- تشجع مواقع التواصل الاجتماعي على مشاركة الاخرين في الاطلاع على معلومات شخصية مما يمكن ان يؤدي الى التركيز على الذات حتماً لم نشهد فترة من التاريخ يتوقع فيها من الناس اظهار انجازاتهم وصورهم التي التقطوها في الرحلات وملابسهم الجديدة وتسريحات الشعر وكل وجبة يتناولونها في المطاعم الى هذا الحد
اصبح الضغط الاجتماعي على الشباب هائلاً لخلق صور يتشاركون فيها ضمن هذا الاحتفاء المفرط بالذات من المثير التفكير في كيف ان البشر استعمروا الانترنت وحولوه من منصة مشاركة الى منصة تشهير بالذات

- في مرحلة من مراحل النمو الكثير من المراهقين تساورهم الشكوك بوجود عيب في مظهرهم البدني انهم يريدون ان يبدوا اجمل من اصدقائهم او ان يظهروا مثل الفنانين الذين يعجبون بهم , لديهم شخصيات مثالية يحاولون تجسيدها ويشعرون بأن ذاتهم عاجزة او متخلفة تجدهم يرددون مثلاً هذه العبارات - اكره انفي - او - ساقاي نحيفتان - وهنا على البالغين ان يتصرفوا بحرص في اعادة الثقة للمراهقين ويساندونهم ويتعاطفون معهم واذا كان الاقران عاجزين عن المساندة والتخفيف من الحاله , عليهم ان يبقوا صامتين
كل شخص منا ربما يعاني من قصور في تقبل الذات , لا احد منا يولد كاملاً , او يبقى كاملاُ بمرور الزمن , اغلب الناس يتقبلون مظهرهم وغير ذلك من الامور التي خارج سيطرتهم

- من المزعج رؤية نتائج المسح الذي اجري للاطفال والمراهقين واعمارهم من الحادية عشرة الى السادسة عشرة التي وافق نصفهم على هذا التصريح " ارى من السهل ان اكون نفسي على الانترنت اكثر مما لو كنت مع الناس وجهاً لوجه , الانتقال من الطفولة الى النضج مرحلة حاسمة في النمو , او ماوصفه عالم النفس ايريك اريكسون انه مرحلة اجتماعية سيكولوجية بالنسبة الى اي مراهق ساذج قد يكون من السهولة تفادي تجارب مؤلمة يواجهها على مسرح الحياة الواقعية , لكن هذه التجارب غالباً ماتكون بمثابة حجر الاساس التطوري ونتائج تجنبها ليست جيدة
ربما لا تتطور الهوية كما ينبغي وما يريد المرء ان يفعله او يكون عليه فيما يتعلق بدوره كانسان ناضج في المستقبل ربما لا تستكشف هذه الامور ولا تكتسب المهارات الاجتماعية في التعامل مع الاخرين , من الاشياء الضرورية معرفة مصادر التوتر والانزعاج من العالم الواقعي التي ربما تكون ضرورية للنمو مع ضرورة استكشاف الشاب للاحتمالات والامكانات المتعلقة بهويته استناداً الى استكشافاته تلك

- يمكن ان يؤدي الفشل في استكمال مرحلة النمو اجتماعياً وسيكولوجياً الى عدم القدرة على اكمال مراحلة لاحقة 

- حين يتعلم الاشخاص كيف يتعاملون بمودة اكبر مع الاخرين ويستكشفون علاقات تقود الى التزامات طويلة الامد مع اشخاص اخرين غير افراد العائلة , ام تجنب التآلف مع الاخرين او الخوف من العلاقات او الالتزامات فيمكن ان يقود الى العزلة والوحدة او في احيان كثيرة , الاكتئاب , هذا هو السبب في اننا نحتاج للكلام اكثرعن مساوئ فشل المراهقين في بناء الاحساس بالهوية في الحياة الواقعية فضلاً عن الحياة السيبرانية

- يعتقد عالم النفس من جامعة ستانفورد زمباردو ان الاولاد في عصرنا الراهن يواجهون ازمة بسبب الاستخدام المفرط للتكنولوجيا ويقول " الذات الرقمية تصبح شيئاً فشيئاً المحرك الديناميكي للحياة الواقعية

- ثبت ان المراهقين تحديداً ربما يفتقرون الى حسن التقدير حين ينضمون الى اقرانهم بسبب ظاهرة تسمى " التحول الخطير " كان جيمس ستونر اول من اكتشف نزعة الجماعات نحو سلوكيات اشد خطورة وجد ستونر ان تفكير الفرد ضمن المجموعة يكون اكثر تطرفاُ نتيجة الحوارات او الخلافات التي تحصل بينهم

- التفكير الجماعي طريقة اخرى للنظر الى كيف يتغير سلوك الفرد وسط الجماعة كلما كانت الجماعة اكبر يميل الناس الى التوافق ومن الناحية المنطقية يحصل نفس الشيء على الانترنت
اذن من الطبيعي القول ان جماعات كبيرة من المراهقين على الانترنت يرتبطون بشبكات التواصل الاجتماعي يحتمل ان تتصرف بشكل اشد خطورة وتشعر ايضاً بالمزيد من ضغط الاقران كلما زاد اعدادهم على الانترنت

-بالنسبة للافراد الذين يستخدمون مواقع او تطبيقات التعارف على الانترنت , نفس الحالة ربما تتسبب في المتاعب هنا تتضاعف اوجه التشابه والاختلافات , لاتؤخذ بنظر الاعتبار وهذا الارتباك يكون مصدراً للمبالغة في تقيييم الذات في التسعينات اكتشف والثر ان الناس حين يلتقون ضمن بيئة تسهلها التنكولوجيا اذا كان الانطباع الاولي عن الاخر ايجابياً فالفراغات اللاحقة في التواصل متغيرات مجهولة . نقص معلومات . او فواصل عن الاخر سوف تملأ اوتوماتيكياً بمعلومات ايجابية مناسبة او حتى مثالية .

- يسمى الربط بين النقاط هذا النحو - مبدأ جشتالت لتحسين التطابق - انت تفعل نفس الشيء على الانترنت اثناء تكوين انطباع عن الاخر , من الناحية الذهنية تملأ الفراغات بتفاصيل عن شخصيات الاخرين ونظراتهم كي تتكون لدى شخص غريب صورة ثلاثية الابعاد قابلة للفهم

- اذا كنت تعرف شيئاُ عن فرويد والتحليل النفسي فأنت ربما تعرف بعض الاشياء عن التاثيرات السيكولوجية لما يسمى بالنقل والكشف للمعلومات هذه الامور التي تجعلنا ننقل بلا وعي للاخرين بعض الشيء عن ميول وخصائص الناس الذين عرفناهم سابقاً , ولابد انك تعرف كم يكون هذا قوياً اي عملية " مليء بالفراغات " ( لذلك تأتي عبارة متداولة كثيراُ , تبدين كأنك امي ) حيث يعمل الخيال البشري مع الذكريات والانطباعات عن الناس الذين عرفناهم في الماضي

- هل يعني ان ذلك الشخص الذي تلتقي به على الانترنت هو بالضرورة شخصية من نسخ الخيال , خيال جزئي من ابتكارك ؟ اخشى ان يكون هذا صحيحاً

- تعتبر الجاذبية ميزة قوية في التنافس على الفوز بالصداقة جزئياً بسبب مايعرف بتأثير الهالة , اذا حكم الناس على الشخص بأنه جذاب فهذا يعطي انطباعات ايجابية تغطي على انطباعات اخرى تتكون عنه , لهذا فالاشخاص الذين يتمتعون بالجاذبية يحكم عليهم في اكثر الاحيان بانهم سعداء , عطوفون , اجتماعيون , محبوبون , ناجحون , اذكياء , الجاذبية عامل مشارك في كل ناحية تقريباً من نواحي الحياة وثبت انها تمنح الفرد المكاسب الهائلة

- هل يوجد شخص جذاب المنظر لكنه اناني , بليد , فاشل ؟ 
بطبيعة الحال نعم لكن البشر ينظرون على نحو عقلاني الى الجاذبية كعلامة ايجابية كلياً ولهذا السبب كثيراً مايحكم الناس على المظهر مباشرة انه من الناحية العملية اول شيء نلاحظه من الشخص الذي نلتقي به على العكس من جوانب اخرى اقل وضوحاً مثل الاخلاص , والامانة , والمصداقية , والولاء , التي تحتاج الى بعض الوقت للتأكد منها

- اصدار حكم سريع على ان شخصاً ما يتمتع بالجاذبية عادة على ان الفرد لديه خصائص جيدة من الناحية الصحية واللياقة من الداخل والخارج , الارتياح الفوري لهذا الحكم ربما يكون السبب في اعتباره شيئاً جديراً بالاهتمام
كيف يؤثر ذلك سيبرانياً ؟ 
من طبيعة البشر انهم يريدون التنافس للتعرف على الشركاء يحاولون تحسين مظهرهم لخلق انطباع جديد خصوصاُ حين نكون في مزاج مناسب يدفعنا للتعارف . هذه حقيقة من حقائق التطور

- ان غالبية الناس يلجأون للانترنت للبحث عن العلاج ونصفهم تقريباً يعترفون بانهم يشخصون حالتهم عن طريق البحث في الشبكة العنكبوتية
منذ عشرين سنة اذا كنت تشعر ببداية اعتلال في الصحة الى درجة التأثير على نشاطاتك اليومية وعملك سوف تهرع الى عيادة الطبيب او تستشير صديقاً لدية خبرة عملية في تشخيص بعض الحالات , هذا اجراء من شأنه ان يعيد الثقة اليك وانت تنظر الى شهادات الطبيب التي تزين جدران غرفة الانتظار اما في العصر الرقمي فنحن نجري البحث بأنفسنا ونتقصى الاعراض , اذا كنت تشعر بوعكة فأول خطوة تقوم بها ان تبحث عن جواب على الانترنت بالرجوع الى احد المواقع الطبية التي تتوفر الان , والكثير منها تحمل علامات الخبرة والمهارة واسماء تجارية فخمة توحي بالمصداقية , انه صندوق سحري افتراضي من الاعاجيب الطبية تتباين خدماته من تقديم شخصيات جذابة على الانترنت .
يعلم خبراء سيكولوجيا السيبرانية ان الناس يصدرون قرارات على الانترنت بطرق شتى , ووجدوا ان نصف المعلومات الطبية التي تتوفر على الانترنت غير دقيقة او انها خاضعة للجدل والاختلاف
" بين ليلة وضحاها " يمكن ان يصبح المرء ضحية لظاهرة سائدة في القرن الحادي والعشرين تسمى " سايبركوندريا" او القلق الزائد على الصحة نتيجة البحث عن معلومات على الانترنت

- ماهي طبيعة الاشخاص الذين يعانون من هذا القلق المزمن على الصحة ؟ انهم ينشغلون بصورة عامة بوضعهم الصحي بحيث يؤثر ذلك على نشاطاتهم اليومية ويغير حياتهم , يكونون على ثقة من وجود شيء خطير يعانون منه
بمساهمة القلق والخيال , يتصور المهووسون ان الاعراض البدنية الطفيفة تمثل علامات على اشياء خطيرة وربما تكون مميتة لكنهم يواجهون صعوبة
في كثير من الاحيان يسعون للحصول على نصائح طبية ويقومون بزيارات الى عيادات الاطباء الا ان قلقهم لا يزول مع تأكيدات الطبيب على انهم بصحة جيدة في حقيقة الامر من المحتمل ان يصابوا بخيبة الامل والاحباط اذا لم تكتشف مشكلة بدنية حقيقة لديهم , هذا يسهم في تصعيد مخاوفهم بشأن وجود مرض غير مشخص لديهم
هناك نزعة اخرى لدى المصابين بالوسواس حول الصحة وهي عدم الثقة بمهنة الطب والاطباء - ورغبة غير واعية في تفويض مصداقية الطبيب المريض هو الذي يعرف اكثر - اذا بدا أن الطبيب لا يكتشف المشكلة ولا يعطي اي علاج , ينتقل الشخص المهووس الى طبيب اخر , الذهاب الى طبيب بعد اخر خلال مدة قصيرة بشكل غير معقول هو علامة اخرى على هذه الحالة

- على الانترنت هناك مجالات لا حدود لها في البحث , ماعليك الا ان تكتب كلمة او كلمتين , وتحصل على النتائج التي تدفعك الى مزيد من القلق من هنا يبدأ معظم الناس , على امل ارضاء فضولهم حول مشكلة طبية

فكر بهذه الطريقة " اذا واجهتك مشكلة بتشغيل سيارتك , من البديهي ان البحث عن جواب لهذا على الهواء لن يضر سيارتك لكن اذا كنت تواجه مشكلة تتعلق بالصحة فمراجعة الاعراض ربما تساعد على اظهارها مادياً او ذهنياً ضمن - التأثير النفسي الجسماني - الذي تخلقه التكنولوجيا , لدى الان مصطلح اخر غير رسمي لهذا هو " تأثير التكنولوجيا على جسمك

" وساوس الصحة يمكن ان تتسبب بمشاكل اكبر من المرض

- نحن نشتري الهاتف المحمول هذا كل شيء , نحصل على خدمة الانترنت ووسائل البحث , نحصل على خطط وبيانات , هواتف ذكية , واي فاي , نتصل بالفضاء السيبراني , مثل جميع اصدقائنا والعاملين معنا وافراد العائلة , هذا شيء جديد وممتع , الاشياء والاماكن الجديدة دائماً ما تكون مصدراً للمتعة , الرحلات تحفز الخيال بينما يميل البشر في اكتر الاحيان للانزعاج من الروتين والمضايقات فالسفر طريقة رائعة لتجربة اشياء جديدة , بيئات جديدة مختلفة , طرق جديدة للتفكير والمشاعر , وفي حقيقة الامر اكتشف العلماء وجود احد الجينات مرتبط بالحاجة الى التجديد والبحث عن المغامرة
اعتقد ان التجارب والمعطيات الجديدة تخلق طرق تفكير جديدة , البيئة الجمالية والمحيط الجميل يمكن ان تحفز الاحاسيس وتصعد روح الابداع , البشر يحبون المحفزات وهذه الجبهة السيبرانية الجديدة بالتأكيد تمنحهم ذلك
فهو له خصائص  مميزة لها قدرة التأثير فينا بعمق ويبدو اننا نتحول الى اشخاص مختلفين نحس بمشاعر جديدة , تعمل روابط جديدة , نكتسب سلوكيات جديدة , نقاوم دوافع جديدة
لنا اصدقاء كثيرون وشبكات الاتصال توسعت بشكل استثنائي نحن نتصل الان باعداد من الناس اكثر من اي وقت مضى , اصبح من الصعب اللحاق بتيارات التواصل الاجتماعي والسلوكيات التي تنشأ بسرعة , معايير جديدة , تصرفات جديدة , طقوس زواج جديدة , سرعة التكنولوجيا ربما صارت اصعب على المجتمع وعلينا نحن الافراد
حتى تصوراتنا عن الذات تتغير , الاطفال حديثو الولادة او الصغار الذين يستخدمون الشاشات الرقمية منذ الولادة ربما يكبرون ليروا ويجربوا العالم وانفسهم على نحو مختلف
عملية التعارف والزواج التي كانت ذات مرة تعتمد على ارتباطات اجتماعية من العالم الواقعي الان تحددها الالات
- كيف يمكن لهذا ان يؤثر على شخصيتهم في المستقبل ؟ وكيف في المقابل يؤدون دورهم في المجتمع ؟ نحن نعيش لحظة حاسمة من التاريخ , اشياء كثيرة عن الحياة على الارض تتغير , لكن الجديد ليس دائماً جيد , والتكنولوجيا لاتعني التقدم دائماً , نحن نحتاج الى شيء من التوازن في عصر سيبراني ينحدر الى هاوية الجحيم
حين حصلت تغيرات هائلة في المعرفة البشرية والقدرات والوعي والتكنولوجيا مثلما حدث في الثورة الصناعية وغيرها من عصور التغيرات الاجتماعية العظيمة , هناك لحظات قصيرة تتاح فيها فرصة , نافذه يتضح منها الى اين يتجه المجتمع , وذكريات ماتزال باقية عما تركنا وراءنا

- في هذه الاثناء ثمة اشياء يستطيع كل واحد منا القيام بهذا للبدء بالتصحيحات وتخفيف التآكل غير الواعي للمعايير الاجتماعية , اذا اردنا نبدأ , يمكننا تعلم اشياء اكثر عن السلوك البشري على الانترنت او في العالم الواقعي , السيكولوجيا ليست علماً خالياً من المثالب , كان موجوداً منذ زمن طويل قبل الانترنت , والان ظهر ميدان جديد , السيكولوجيا السيبرانية , يمكن ان يساعد على توضيح هذا المجال


- بعد قرن من الدراسات والبحوث التي اجراها اكثر العلماء والاكاديميين ذكاء , نحن نعرف الكثير من الامور التي يتأثر بها البشر , ماهي المكافآت التي يتوقعونها والمحفزات والصعوبات التي ربما تسبب الانزعاج لهم , كلما عرفنا اكثر عن السيكولوجيا السيبرانية , سنرى طرقاُ جديدة لتجنب المشاكل , لنفسك للاصدقاء للعائلات والاطفال

تعليقات

المشاركات الشائعة